كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فَإِنْ قُلْتَ: إِنَّ هَذَا الْإِصْلَاحَ بِتَرْبِيَةِ أُمَّةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ، بِمِثْلِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفَاسِدُ أُخْرَى فِي أَخْلَاقِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ مَفَاسِدِهِ إِلَّا مَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْيَهُودِ إِلَى الْآنِ، الَّتِي كَانَتْ سَبَبَ اضْطِهَادِ الْأُمَمِ لَهُمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَمِنْ حِرْصِهِمْ عَلَى الِانْتِفَاعِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَعَدَمِ نَفْعِ أَحَدٍ بِشَيْءٍ مِنْهُمْ، إِلَّا إِذَا كَانَ وَسِيلَةً لِمَنْفَعَةٍ لَهُمْ أَكْبَرَ مِنْهُ، أَوْ دَفْعَ ضَرَرٍ، وَتَجَرُّدُ السَّوَادِ الْأَعْظَمِ مِنْهُمْ عَنْ إِيثَارِ أَحَدٍ غَرِيبٌ عَنْهُمْ بِشَيْءٍ لَكَفَى، وَكَانَ شُبْهَةً عَظِيمَةً عَلَى كَوْنِ دِينِهِمْ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ اللهِ تعالى: {وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} (2: 105).
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ سَهْلٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَبَيَانُهُ أَنَّ تِلْكَ الشَّرِيعَةَ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً لَا دَائِمَةً، فَكَانَتْ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ هِيَ الْوَسِيلَةُ إِلَى تَكْوِينِ أُمَّةٍ مُوَحِّدَةٍ بَيْنَ أُمَمِ الْوَثَنِيَّةِ، وَكَانَ الْمُصْلِحُونَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ يَتَعَاهَدُونَ أَهْلَهَا زَمَنًا بَعْدَ زَمَنٍ بِالْإِصْلَاحِ الْمَعْنَوِيِّ، كَإِلَهِيَّاتِ زَبُورِ دَاوُدَ، وَأَدَبِيَّاتِ حُكْمِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ؛ حَتَّى لَا تَغْلِبَ عَلَى الْقَوْمِ الْمَادِّيَّةُ وَتُفْسِدَهُمُ الْأَثَرَةُ، ثُمَّ جَاءَ مُصْلِحُ إِسْرَائِيلَ الْأَعْظَمُ عِيسَى الْمَسِيحُ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ يَنْقُضُ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ بِدَعْوَتِهِمْ إِلَى نَقِيضِهِ أَوْ ضِدِّهِ، فَقَابَلَ مُبَالَغَتَهُمْ فِي الْمَادِّيَّةِ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الرُّوحَانِيَّةِ، وَمُبَالَغَتَهُمْ فِي الْأَثَرَةِ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الْإِيثَارِ الَّذِي تُعَبِّرُ عَنْهُ النَّصَارَى بِإِنْكَارِ الذَّاتِ وَمُبَالَغَتِهِمْ فِي الْجُمُودِ عَلَى ظَوَاهِرِ الشَّرِيعَةِ بِالْمُبَالَغَةِ فِي النَّظَرِ إِلَى مَقَاصِدِهَا، فَكَرَّهَ إِلَيْهِمُ السِّيَادَةَ وَالْغِنَى، وَذَمَّ التَّمَتُّعَ بِنَعِيمِ الدُّنْيَا، وَأَمَرَ بِمَحَبَّةِ الْأَعْدَاءِ وَعَدَمِ الْجَزَاءِ عَلَى الْإِيذَاءِ، وَكَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ تَمْهِيدًا لِإِكْمَالِ اللهِ تَعَالَى دِينَهُ بِإِرْسَالِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ مُحَمَّدٍ الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، الْبَارَقْلِيطُ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي يُعَلِّمُهُمْ وَيُعَلِّمُ غَيْرَهُمْ كُلَّ شَيْءٍ، فَيَجْمَعُ لِلْبَشَرِ بَيْنَ مَصَالِحِ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ، وَيَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ لَا بِالْإِحْسَانِ فَقَطْ.
فَمَنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِمْ إِصْلَاحُ الْمَسِيحِ مِنَ الْيَهُودِ ظَلُّوا عَلَى جُمُودِهِمْ وَعَصَبِيَّتِهِمْ، وَكَانُوا أَشَدَّ عَدَاوَةً لِهَذَا النَّبِيِّ وَمَنْ آمَنَ بِهِ مِمَّنْ أَثَّرَ فِيهِمْ ذَلِكَ الْإِصْلَاحُ وَكَانَ فِيهِمْ بَقِيَّةٌ مِنَ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ، سَوَاءٌ كَانَ أَصْلُهُمْ مِنَ الْيَهُودِ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأَقْوَامِ، فَكَانُوا أَقْرَبَ مَوَدَّةً لَهُمْ، وَكَانُوا أَسْرَعَ إِلَى الْإِيمَانِ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَصَدَقَ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} (7: 157).
وَمَا كَانَ ذَلِكَ الْإِصْرُ وَالْأَغْلَالُ إِلَّا شِدَّةَ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْأَحْكَامِ الْمَدَنِيَّةِ وَالْجِنَائِيَّةِ، وَشِدَّةِ أَحْكَامِ الْإِنْجِيلِ فِي الزُّهْدِ وَإِذْلَالِ النَّفْسِ وَحِرْمَانِهَا.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ النَّصَارَى أَقْرَبَ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى الْإِسْلَامِ بِطَبِيعَةِ دِينِ كُلٍّ مِنْهُمَا- وِفَاقًا لِتَعْلِيلِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ- كَثْرَةُ مَنْ يُسْلِمُ مِنَ النَّصَارَى فِي كُلِّ زَمَانٍ وَقِلَّةِ مَنْ يُسْلِمُ مِنَ الْيَهُودِ، وَلَوْلَا ضَعْفُ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَإِعْرَاضُهُمْ عَنْ هِدَايَةِ الْقُرْآنِ، وَلَوْلَا إِهْمَالُهُمُ الدَّعْوَةَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَإِبْرَازَهُ بِصُورَتِهِ الصَّحِيحَةِ لِلْأَنَامِ، وَلَوْلَا فَسَادُ حُكُومَاتِهِمْ وَعَجْزُ رِجَالِهِمْ فِي السِّيَاسَةِ، وَتَخَلُّفُهُمْ عَنْ مُجَارَاةِ الْأُمَمِ فِي الْعِلْمِ وَالْحَضَارَةِ، وَلَوْلَا بُلُوغُ دُوَلِ الْإِفْرِنْجِ النَّصْرَانِيَّةِ فِيهِ أَوْجَ الْعِزَّةِ وَالْقُوَّةِ، وَسَبْقُ أُمَمِهِمْ فِي حَلَبَةِ الْمَدَنِيَّةِ وَالثَّرْوَةِ، وَاسْتِمَالَتُهُمْ لِنَصَارَى الشَّرْقِ وَجَذْبُهُمْ إِلَيْهِمْ، وَاعْتِزَازُ هَؤُلَاءِ بِهِمْ، وَتَلَقِّيهِمْ أَسَالِيبَ التَّرْبِيَةِ الدِّينِيَّةِ وَالْمَدَنِيَّةِ عَنْهُمْ، وَجَعْلُ الدِّينِ فِيهَا مِنَ الْمُقَوِّمَاتِ الْجِنْسِيَّةِ لِلْأَقْوَامِ وَالشُّعُوبِ تُرَبَّى عَلَى أَنْ تُحَافِظَ عَلَيْهَا كَمَا تُحَافِظُ عَلَى لُغَتِهَا، فَلَا تَسْتَبْدِلُ بِهَا غَيْرَهَا وَإِنَّ كَانَتْ خَيْرًا مِنْهَا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ قَوَانِينِ هَذِهِ التَّرْبِيَةِ وَأَسَالِيبِهَا وَلَوْلَا مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنَ التَّنَازُعِ السِّيَاسِيِّ الدُّنْيَوِيِّ بَيْنَ دُوَلِنَا وَدُوَلِهِمْ، لَوْلَا ذَلِكَ كُلُّهُ لَكَانَتِ الْمَوَدَّةُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ أَتَمَّ وَانْتِشَارُ الْإِسْلَامِ فِيهِمْ أَعَمَّ، لِأَنَّ الْإِسْلَامَ إِصْلَاحٌ فِي النَّصْرَانِيَّةِ، كَمَا أَنَّ النَّصْرَانِيَّةَ إِصْلَاحٌ فِي الْيَهُودِيَّةِ، فَالْيَهُودُ الَّذِينَ عَادَوُا النَّصْرَانِيَّةَ كَانُوا أَحْذَرَ مِمَّنْ صَلَحُوا بِهَا بِعَدَاوَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَدِينِ اللهِ عَلَى أَلْسِنَةِ مُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّهُ جَرَى مَعَ الْبَشَرِ عَلَى سُنَّةِ الِارْتِقَاءِ، إِلَى أَنْ بَلَغَ سِنَّ الْكَمَالِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كُنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ سَبَبَ مَا ذَكَرَهُ اللهُ تَعَالَى مِنْ كَوْنِ النَّصَارَى أَقْرَبَ النَّاسِ مَوَدَّةً لِلْمُؤْمِنِينَ هُوَ تَعَالِيمُ دِينِهِمْ وَتَقَالِيدُهُ، وَأَنَّهُ لِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَامًّا فِيهِمْ، وَإِنْ نَزَلَ فِي طَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْهُمْ، وَإِذَا انْتَفَتِ الْمَوَانِعُ فَبِمَاذَا تُجِيبُ عَنِ الْحَرْبِ الصَّلِيبِيَّةِ الَّتِي أَوْقَدَ النَّصَارَى نَارَهَا بِاسْمِ الدِّينِ، وَلَمْ يَلْقَ الْمُسْلِمُونَ مِثْلَهَا مِنَ الْيَهُودِ وَلَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَيَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ سَائِرُ الْحُرُوبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّصَارَى؟ فَإِنَّ عِنْدِي جَوَابَيْنِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ أَوْ جَوَابًا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الدِّينِ الْقَرِيبِ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ، بَلِ الَّذِي هُوَ إِصْلَاحٌ فِيهَا وَإِكْمَالٌ لَهَا كَمَا قَرَّرْنَا، لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا عِنْدَ أُولَئِكَ الصَّلِيبِينَ، بَلْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ صُورَةً فِي مُخَيِّلَاتِهِمْ غَيْرَ صُورَتِهِمُ الصَّحِيحَةِ الَّتِي طَبَعَهَا فِي قُلُوبِهِمْ أَعْدَاءُ الْإِسْلَامِ، صُورَةً وَثَنِيَّةً وَحْشِيَّةً مُشَوَّهَةً أَقْبَحَ التَّشْوِيهِ، مُنْعَكِسَةً عَنِ الْكُتُبِ وَالرَّسَائِلِ وَالْخُطَبِ الَّتِي كَانَ يُنْشِئُهَا بُطْرُسُ الرَّاهِبُ وَأَمْثَالُهُ، وَلَوْ وَصَفَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ قَوْمٌ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ مُثِيرُو الْحَرْبِ الصَّلِيبِيَّةِ وَدَعَوْا إِلَى قِتَالِهِمْ لَنَفَرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا.
ثَانِيهُمَا: أَنَّ مَا فِي الْإِنْجِيلِ مِنْ رُوحِ السَّلَامِ وَالْمَحَبَّةِ وَالتَّوَاضُعِ وَالْإِيثَارِ، وَالْخُضُوعِ لِكُلِّ سُلْطَانٍ، لَمْ يَنْتَصِرْ فِي أُورُبَّةَ عَلَى رُوحِ الْحَرْبِ وَالْأَثَرَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَحُبِّ السِّيَادَةِ فِي الْأَرْضِ تِلْكَ الصِّفَاتِ الَّتِي كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْ فِي عَهْدِ السُّلْطَةِ الرُّومَانِيَّةِ أَشُدَّهَا، وَكَانَتْ سَبَبَ إِبَادَةِ الْوَثَنِيِّينَ مِنْ أُورُبَّةَ كُلِّهَا، ثُمَّ سَبَبَ الْحَرْبِ الصَّلِيبِيَّةِ، وَمُحَاوَلَةَ إِبَادَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْبِلَادِ الْمُقَدَّسَةِ أَوِ الشَّرْقِ كُلِّهِ، بَلْ كَانَتْ وَلَا تَزَالُ سَبَبَ الْحُرُوبِ الْقَاسِيَةِ بَيْنَ النَّصَارَى أَنْفُسِهِمْ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ، أَوِ التَّنَازُعِ عَلَى الْمَمَالِكِ، وَكُلُّ هَذَا مِنْ تَعَالِيمِ رُوحِ الشَّيْطَانِ لَا مِنْ تَأْثِيرِ تَعْلِيمِ رُوحِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِنْ رَوَوْا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا جِئْتُ لِأُلْقِيَ سَلَامًا عَلَى الْأَرْضِ إِنَّمَا جِئْتُ لِأُلْقِيَ سَيْفًا.
فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا كَانَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّصَارَى مِنْ عَدَاءٍ فَإِنَّمَا سَبَبُهُ بُعْدُ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ أَوْ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ هِدَايَةِ دِينِهِ، أَوْ جَهَالَةٍ وَسُوءِ فَهْمٍ وَقَعَ بَيْنَهُمَا، وَأَمْرُ الْمُتَأَخِّرِ مِنْ دُوَلِهِمَا ظَاهِرٌ، وَلَا يَنْسُبُهُ إِلَى طَبِيعَةِ دِينِهِمَا إِلَّا جَاهِلٌ أَوْ مُكَابِرٌ، فَالدَّوْلَةُ الْعُثْمَانِيَّةُ كَانَتْ قَدْ فَتَحَتْ كَثِيرًا مِنْ بِلَادِهِمْ بِالْقُوَّةِ الْقَاهِرَةِ، فَلَمَّا دَالَتْ لَهُمُ الْقُوَّةُ تَأَثَّرُوا لِأَنْفُسِهِمْ، فَإِنْ كَانَ السَّاسَةُ الْبَلْقَانِيُّونَ قَدْ هَاجُوا شُعُوبَهُمْ عَلَى قِتَالِهَا بِاسْمِ الصَّلِيبِ وَالْمَسِيحِ، فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ كَذَّبَ اللهُ تَعَالَى دَعْوَاهُمُ الْمَسِيحِيَّةَ بِإِيقَادِهِمْ نَارَ الْقِتَالِ بَيْنَهُمْ، فَمَا زَالَ أَئِمَّةُ السِّيَاسَةِ الْمُضِلُّونَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ يَتَّخِذُونَ الدِّينَ أُخْدُوعَةً يَخْدَعُونَ بِهَا الْعَامَّةَ لِتَأْيِيدِ سِيَاسَتِهِمْ، حَتَّى فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الدِّينِ وَأَهْلِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْيَهُودِيَّةَ أَقْرَبُ إِلَى الْإِسْلَامِ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ لِأَنَّهَا دِيَانَةُ تَوْحِيدٍ، وَالنَّصْرَانِيَّةُ دِيَانَةُ تَثْلِيثٍ، وَالتَّوْحِيدُ هُوَ أَسَاسُ دِينِ اللهِ عَلَى أَلْسِنَةِ جَمِيعِ رُسُلِهِ، وَهُوَ مُنْتَهَى الْكَمَالِ فِي الْعَقَائِدِ وَلِذَلِكَ يَغْفِرُ اللهُ كُلَّ ذَنْبٍ إِلَّا الشِّرْكَ.
فَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا: أَنَّ عَقِيدَةَ التَّثْلِيثِ الدَّخِيلَةَ فِي الْمَسِيحِيَّةِ لَمَّا كَانَتْ لَا تُفْهَمُ وَلَا تُعْقَلُ لَمْ يَكُنْ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي أَنْفُسِ أَهْلِهَا بِبُعْدِهِمْ عَنِ الْإِسْلَامِ، بَلْ رُبَّمَا كَانَتْ مِنْ أَسْبَابِ قَبُولِ دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا التَّأْثِيرُ الْأَعْظَمُ فِي تَقْرِيبِ النَّاسِ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ أَوْ ضِدِّهِ لِلْأَخْلَاقِ وَالْآدَابِ. وَإِنَّنَا نَرَى فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنَ الْمَوَدَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّصَارَى مَا لَا نَرَى مِثْلَهُ بَيْنَ غَيْرِهِمَا مِنَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الدِّينِ، وَمَا ضَعُفَتْ هَذِهِ الْمَوَدَّةُ فِي بَلَدٍ إِلَّا بِفِتَنِ السِّيَاسَةِ، وَعَصَبِيَّاتِ أَهْلِ الرِّيَاسَةِ، فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى مُثِيرِي الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ بَيْنَ عِبَادِ اللهِ اتِّبَاعًا لِأَهْوَائِهِمْ، أَوْ إِرْضَاءً لِرُؤَسَائِهِمْ.
وَمِنْ مَبَاحِثِ الْأَلْفَاظِ فِي الْآيَةِ أَنَّ الرُّهْبَانَ جَمْعُ رَاهِبٍ (كَرُكْبَانُ جَمْعُ رَاكِبٍ) وَهُوَ الْمُتَبَتِّلُ الْمُنْقَطِعُ فِي دَيْرٍ أَوْ صَوْمَعَةٍ لِلْعِبَادَةِ وَحِرْمَانِ النَّفْسِ مِنَ التَّنَعُّمِ بِالزَّوجِ وَالْوَلَدِ وَلَذَّاتِ الطَّعَامِ وَالزِّينَةِ، فَهُوَ مِنَ الرَّهْبَةِ بِمَعْنَى الْخَوْفِ، أَوْ مِنْ رَهَبِ الْإِبِلِ وَهُوَ هُزَالُهَا وَكَلَالُهَا مِنْ طُولِ السَّيْرِ، وَأَنَّ الْقِسِّيسِينَ جَمْعُ قِسِّيسٍ وَمِثْلُهَا قَسٌّ وَجَمْعُهُ قُسُوسٌ وَهُوَ رَئِيسٌ دِينِيٌّ فِي عُرْفِ الْكَنِيسَةِ فَوْقَ الشَّمَّاسِ وَدُونَ الْأَسْقُفِ، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ قَسَّ الْإِبِلَ يَقُسُّهَا مِنْ بَابِ نَصَرَ قَسًّا (بِتَثْلِيثِ الْقَافِ) إِذَا أَحْسَنَ رَعْيَهَا وَسَقْيَهَا، وَالْأَصْلُ فِي الْقِسِّيسِينَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِدِينِهِمْ وَكُتُبِهِمْ لِأَنَّهُمْ رُعَاةٌ وَمُفْتُونَ، فَيَكُونُ ذِكْرُ الرُّهْبَانِ وَالْقِسِّيسِينَ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادِ وَالْعُلَمَاءِ، وَكَوْنُ الرَّهْبَانِيَّةِ بِدْعَةً فِي النَّصْرَانِيَّةِ لَا يُنَافِي تَأْثِيرَهَا فِي تَقْرِيبِ النَّصَارَى مِنْ مَوَدَّةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَرَوَى أَهْلُ التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ قَوْلًا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانَ مَنْ آمَنَ بِعِيسَى فِي عَهْدِهِ كَالْحَوَارِيِّينَ وَقَوْلًا آخَرَ: الْمُرَادُ بِهِمْ جَمَاعَةُ النَّجَاشِيِّ، وَسَيَأْتِي بَعْضُ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَجْعَلُ هَذِهِ الْآيَةَ آخِرَ الْجُزْءِ السَّادِسِ، لِأَنَّ التَّجْزِئَةَ لَا تُرَاعَى فِيهَا الْمَعَانِي، وَيَبْدَأُ الْجُزْءُ السَّابِعُ بِقَوْلِهِ عز وجل: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} أَيْ وَإِذَا سَمِعَ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ الْكَامِلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أُكْمِلَ بِهِ الدِّينُ، وَبُعِثَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، تَرَى أَيُّهَا النَّاظِرُ إِلَيْهِمْ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ، أَيْ تَمْتَلِئُ دَمْعًا حَتَّى يَتَدَفَّقَ الدَّمْعُ مِنْ جَوَانِبِهَا لِكَثْرَتِهِ، أَوْ حَتَّى كَأَنَّ الْأَعْيُنَ ذَابَتْ وَصَارَتْ دَمْعًا جَارِيًا، ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ مَا مَنَعَ غَيْرَهُمْ مِنَ الْعُتُوِّ وَالِاسْتِكْبَارِ، قَوْلُهُ: {مِنَ الْحَقِّ} بَيَانٌ لِقَوْلِهِ: {مِمَّا عَرَفُوا} وِقِيلَ: إِنَّ «مِنْ» فِيهِ لِلتَّبْعِيضِ، أَيْ إِنَّ أَعْيُنَهُمْ فَاضَتْ عَبْرَةً وَدُمُوعًا، عِبْرَةً مِنْهُمْ وَخُشُوعًا، لِمَعْرِفَتِهِمْ بَعْضَ الْحَقِّ، إِذْ سَمِعُوا بَعْضَ الْآيَاتِ دُونَ بَعْضٍ، فَكَيْفَ لَوْ عَرَفُوا الْحَقَّ كُلَّهُ بِسَمَاعِ جَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَمَعْرِفَةِ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنَ الْأُسْوَةِ الْحَسَنَةِ الْبَيَانِ وَهَذَا الْقَوْلُ إِنَّمَا يَصِحُّ بِتَطْبِيقِهِ عَلَى وَاقِعَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَالَّذِي يَسْمَعُ فِي النَّجَاشِيِّ وَجَمَاعَتِهِ، وَأَمَّا ظَاهِرُ الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ فَهُوَ بَيَانُ مَا يَكُونُ مِنْ شَأْنِهِمْ عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ، وَهُوَ الْعِبْرَةُ وَالِاسْتِعْبَارُ، وَالدُّمُوعُ الْغِزَارُ.
ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى مَا يَكُونُ مِنْ مَقَالِهِمْ، بَعْدَ بَيَانِ مَا يَكُونُ مِنْ حَالِهِمْ فَقَالَ: {يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} أَيْ: يَقُولُونَ هَذَا الْقَوْلَ يُرِيدُونَ بِهِ إِنْشَاءَ الْإِيمَانِ، وَالتَّضَرُّعَ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِأَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمْ وَيَكْتُبَهُمْ مَعَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِينَ جَعَلَهُمُ اللهُ تَعَالَى كَالرُّسُلِ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْلَمُونَ مِنْ كُتُبِهِمْ، أَوْ مِمَّا يَتَنَاقَلُونَهُ عَنْ سَلَفِهِمْ، أَنَّ النَّبِيَّ الْأَخِيرَ الَّذِي يُكْمِلُ اللهُ بِهِ الدِّينَ يَكُونُ مُتَّبِعُوهُ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ، أَوِ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ بِدُخُولِهِمْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ يُكْتَبُونَ مِنَ الشَّاهِدَيْنِ، فَذَكَرَ اللهُ الْأُمَّةَ بِأَشْرَفِ أَوْصَافِهَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِنَّ الشَّاهِدِينَ هُنَا هُمُ الشُّهَدَاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (2: 143) ورُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: هُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمُّتُهُ، أَنَّهُمْ شَهِدُوا أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ، وَأَنَّ الرَّسُولَ قَالَ: «قَدْ بَلَّغْتُ» كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّ الشَّهَادَةَ لِلرُّسُلِ تَسْتَلْزِمُ الشَّهَادَةَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ، وَإِلَّا كَانَ هَذَا التَّفْسِيرُ غَيْرَ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْمَرْءِ ضِدُّ الشَّهَادَةِ لَهُ، وَالْحَقُّ أَنَّ الشَّهَادَةَ هُنَا يُرَادُ بِهَا أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تَشْهَدُ عَلَى الْأُمَمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَتَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَالْمُبْطِلِينَ لِكَوْنِهَا مَظْهَرًا لِلدِّينِ الْحَقِّ الَّذِي جَحَدُوهُ أَوْ ضَلُّوا عَنْهُ، وَقَدْ حَقَّقْنَا الْقَوْلَ فِي بَيَانِ مَعْنَى الشُّهَدَاءِ فِي تَفْسِيرِ {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (2: 143) فِي (ص 5ج 3ط الْهَيْئَةِ) {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ} (4: 69) فِي (ص 197 ج5 ط الْهَيْئَةِ).
{وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ}. هَذَا تَتِمَّةُ قَوْلِهِمْ، وَالْمَعْنَى: أَيُّ مَانِعٍ يَمْنَعُنَا مِنَ الْإِيمَانِ بِاللهِ وَحْدَهُ وَبِمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ عَلَى لِسَانِ هَذَا الرَّسُولِ، بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ لَنَا أَنَّهُ الْبَارَقْلِيطُ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ الْمَسِيحُ، وَالْحَالُ أَنَّنَا نَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ، وَالَّذِينَ صَلُحَتْ أَنْفُسُهُمْ بِالْعَقَائِدِ الصَّحِيحَةِ، وَالْفَضَائِلِ الْكَامِلَةِ، وَالْعِبَادَاتِ الْخَاصَّةِ، وَالْمُعَامَلَاتِ الْمُسْتَقِيمَةِ، وَهُمْ أَتْبَاعُ هَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيمِ، الَّذِينَ رَأَيْنَا أَثَرَ صَلَاحِهِمْ بِأَعْيُنِنَا بَعْدَ مَا كَانَ فَسَادُهُمْ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ مَا كَانَ؟ أَيْ لَا مَانِعَ مِنْ هَذَا الْإِيمَانِ بَعْدَ تَحْقِيقِ مُوجِبِهِ، وَقِيَامِ سَبَبِهِ، فَسَرُّوا الْقَوْمَ الصَّالِحِينَ بِأَصْحَابِ الرَّسُولِ، وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ آمَنَ مِنْ نَصَارَى الْحَبَشَةِ، وَكُلُّ مَنْ سَارَ عَلَى طَرِيقِهِمْ يُعَدُّ مِنْهُمْ وَيُحْشَرُ مَعَهُمْ.
{فَأَثَابَهُمُ اللهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} أَيْ فَجَزَاهُمُ اللهُ تَعَالَى وَأَعْطَاهُمْ مِنَ الثَّوَابِ بِقَوْلِهِمُ الَّذِي عَبَّرُوا بِهِ عَنْ إِيمَانِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ بَسَاتِينَ وَحَدَائِقَ فِي دَارِ النَّعِيمِ تَجْرِي مِنْ تَحْتِ أَشْجَارِهَا الْأَنْهَارُ يُخَلَّدُونَ فِيهَا، فَلَا هِيَ تُسْلَبُ مِنْهُمْ وَلَا هُمْ يَرْغَبُونَ عَنْهَا وَيَتْرُكُونَهَا، وَذَلِكَ النَّوْعُ مِنَ الثَّوَابِ جَزَاءُ جَمِيعِ الْمُحْسِنِينَ فِي سِيرَتِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنَ الْآيَاتِ الْأُخْرَى أَنَّ فِي تِلْكَ الْجَنَّاتِ، الدُّورَ وَالْقُصُورَ وَالنَّعِيمَ الرُّوحَانِيَّ وَالرِّضْوَانَ الْإِلَهِيَّ مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْهُ الْكَلَامُ وَيُحِيطَ بِهِ الْوَصْفُ فِي هَذَا الْعَالَمِ الْمُخَالِفِ لِذَلِكَ الْعَالَمِ فِي حَقِيقَتِهِ وَخَوَاصِّهِ {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (32: 17).